[color=white][i][b][size=18]
لكل بلد حكايته الطويلة.. ولكل حكاية تفاصيلها وأسماؤها ونقاطها المضيئة والمعتمة.. ولكل شعب ذاكرة –نائمة أو مستيقظة والمكان أيضاً له ذاكرة. وأشد الشعوب تعاسة هو الشعب الذي تَعَرّضَ لعمليات قاسية ومتوالية بغرض عزله عن ذاكرته..
من ثم، فإن أصعب المهمات أمام المفكرين والمثقفين والساسة هي مهمة إعادة الذاكرة لشعب حيل بينه وبين ذاكرته..
هذا البلد هو اليمن..
وهذه المهمة هي التحدي الذي تجابهه النخب اليمنية الحية منذ بدء القرن العشرين وإلى الآن.. ذلك أن اليمنيين عاشوا أطول فترة غيبوبة على مدى التاريخ.. تماماً مثلما عاشوا إبان حضارتهم أطول فترة تمكين واستقرار على مدى التاريخ.. لكن الشعوب القوية تستعيد عافيتها بسرعة. ويحدث أثناء هذه الاستعادة لغط وارتباك واستعجال كثير. كما تتعرض بالمقابل لمحاولات محمومة بغرض إبقائها في حالة الغيبوبة..
فَهْم هذا الأمر يساعدنا ولا شك على معرفة ما الذي يحتاجه اليمنيون في الوقت الحاضر، ولماذا صاروا إلى ما هم عليه الآن. سواء الشعب أو الحكام المنبثقون عنه ..
اليمنيون أبناء هود عليه السلام
قال نشوان الحميري: "اتفق كثير من علماء السير أنَّ أول نبي مرسل بعثه الله بعد نوح بشيرا ونذيرا وأمينا على وحيه هو هود عليه السلام وهو أبن العرب العاربة وهو الذي يقول في علقمة:
أبونا نبي الله هود بن عابر ... ونحن بنو هود النبي الطهر
لنا الملك في شرق البلاد وغربها ... ومفخرا يسمو على كل مفخر"
في لحظةٍ ما وصل اليمنيون إلى أهمية أن يكونوا كيانا متفقاً على أن يغدوا رقماً صحيحاً في حلبة الأمم في العالم القديم.. وكانت الزراعة أساس البناء المادي لهم ودعموها بالسدود، ثم لما قوي شأنهم عززوها بالتجارة والصناعة وتتالت ممالك القوة دون فترة ضعف فاصلة تؤثر على تواتر انتقال الخبرة.
ولارتباط اليمني بالزراعة كان ارتباطه بالمطر ومن ثم اتجاهه نحو السماء، وهذا سر غريزته الإيمانية التي جعلته في كل الحقب متوجهاً نحو آلهة سماوية، سواء الشمس أو القمر. وذلك قبل أن يهتدوا إلى عبادة الله الواحد الأحد سبحانه لا شريك له، والذي أسلم له اليمنيون وعبدوه على دين موسى وعيسى ثم خاتم النبيين محمد، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم.
ولطبيعة الإنسان اليمني الدائبة، ولحدود اليمن الطبيعية (البحر والصحراء) نشأ انتعاش فكري واقتصادي وحالة استقرار سياسي وكذا انعدمت حالات العدوان المؤثّر من وإلى اليمن. ومن ثم تركز التطور على العمران والهندسة ومختلف مناحي الرخاء؛ إذ كان يسميه اليونان بلد القصور. ثم عرف بعد ذلك بـ "بلاد العربية السعيدة" أو اليمن السعيد، والسعادة تعني أعلى درجات التوافق والتنوع الذي أدى إلى اشتداد القوة وتواتر الرخاء.. قال تعالى:" لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" (1).
بلغ الاستقرار أَوَجَهُ في العهد السبئي دون مزعج خارجي عمل على تفشيله سوى ما جنته أنفس القوم، فبدل الله جنتيهم "جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ"(2).
والحديث عن اليمنيين حديث عن سكان جنوب الجزيرة بعيداً عمن هاجروا وبعيداً عن ضرورة الأرومة القحطانية التي تمثل الأصل الجامع لسواد السكان.. وهو حديث عن حضارتهم كحاصل تفاعل الإنسان مع الأرض. أولئك الذين ملأت مسروقات آثارهم كل متاحف العالم.. وهذبتهم بعض الروادع أيام الأنبياء..
بعد مرحلة الطوفان كون الأشخاص الذين نجوا في سفينة نوح عليه السلام سكان الأرض الموجودين حالياً، منهم من هو من سلالة النبي نوح، كأولاد سام وحام، ومنهم من ينحدر من ذرية من نجا معه. ومعروف أن المصريين– على سبيل المثال- هم من أولاد حام بن نوح، تماماً كما أن اليمنيين يعتبرون من ذرية سام بن نوح جد سبأ الذي هو أبو اليمنيين قاطبة، وتكاد معظم القبائل والمناطق اليمنية التي احتفظت بأسمائها إلى الآن هي أسماء أبناء سبأ كحمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وحضرموت بن سبأ(3)..
تكون من ذرية سبأ النسيج الأول للشعب اليمني في العصور الأولى والذين بنوا حضارات متعاقبة، منها حضارة قوم عاد وثمود وغير ذلك.. فتم مع مرور التاريخ ما يشبه التصفيات، بسبب العقوبات الإلهية حتى أيام هود عليه السلام. التي يقال إن أرومة الشعب اليمني الحالي تنحدر من سلالة النبي هود الذي لم يؤيده الله بمعجزات قط. وكما أسلفنا؛ فإن الحضارة اليمنية القديمة التي امتدت قروناً من الزمان أيام معين وسبأ وحضرموت وقتبان لم تتقوض بعوامل خارجية، بل بعوامل داخلية، يتمثل أغلبها في كفران النعمة، ما أدى إلى سيل العرم، الذي أتى على كثير من حواضر الحضارة اليمنية القديمة وأدى إلى هجرة كثير من اليمنيين.
لكن اليمن ظل قوياً ومزدهراً طيلة الحقبة الحميرية وبلغ أوج مجده أيام أسعد الكامل؛ الذي جمع اليمنيين من جديد في وحدة سياسية واحدة. وساعدت عوامل عدة على بقاء اليمن قوياً وموحداً، لعل من أهمها: أصل اليمنيين الواحد وتشابه وتكامل رقعتهم الجغرافية، بالإضافة إلى عامل مهم جداً في نظري هو أن اليمنيين في عهد التبابعة الحميرين اعتمدوا آليات إدارية واقتصادية واجتماعية غاية في التماسك والفاعلية، بسبب كونها قامت على دراسة عميقة ودقيقة للواقع اليمني وللإنسان اليمني.. الأمر الذي جعل من دولة التبابعة مضرباً للمثل في القوة والازدهار.. يقول الله عز وجل: "أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ".(4) ولذا فإن الذي يعود إلى أشعار العرب قبل بعثة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، يكتشف إلى أي حد كانت قوة التبابعة هي المادة الملهمة للخيال الأدبي حد تصوير التبابعة بقوة خرافية.
حقبة الصراع اليهودي المسيحي.. بداية الضعف
لكل بلد حكايته الطويلة.. ولكل حكاية تفاصيلها وأسماؤها ونقاطها المضيئة والمعتمة.. ولكل شعب ذاكرة –نائمة أو مستيقظة والمكان أيضاً له ذاكرة. وأشد الشعوب تعاسة هو الشعب الذي تَعَرّضَ لعمليات قاسية ومتوالية بغرض عزله عن ذاكرته..
من ثم، فإن أصعب المهمات أمام المفكرين والمثقفين والساسة هي مهمة إعادة الذاكرة لشعب حيل بينه وبين ذاكرته..
هذا البلد هو اليمن..
وهذه المهمة هي التحدي الذي تجابهه النخب اليمنية الحية منذ بدء القرن العشرين وإلى الآن.. ذلك أن اليمنيين عاشوا أطول فترة غيبوبة على مدى التاريخ.. تماماً مثلما عاشوا إبان حضارتهم أطول فترة تمكين واستقرار على مدى التاريخ.. لكن الشعوب القوية تستعيد عافيتها بسرعة. ويحدث أثناء هذه الاستعادة لغط وارتباك واستعجال كثير. كما تتعرض بالمقابل لمحاولات محمومة بغرض إبقائها في حالة الغيبوبة..
فَهْم هذا الأمر يساعدنا ولا شك على معرفة ما الذي يحتاجه اليمنيون في الوقت الحاضر، ولماذا صاروا إلى ما هم عليه الآن. سواء الشعب أو الحكام المنبثقون عنه ..
اليمنيون أبناء هود عليه السلام
قال نشوان الحميري: "اتفق كثير من علماء السير أنَّ أول نبي مرسل بعثه الله بعد نوح بشيرا ونذيرا وأمينا على وحيه هو هود عليه السلام وهو أبن العرب العاربة وهو الذي يقول في علقمة:
أبونا نبي الله هود بن عابر ... ونحن بنو هود النبي الطهر
لنا الملك في شرق البلاد وغربها ... ومفخرا يسمو على كل مفخر"
في لحظةٍ ما وصل اليمنيون إلى أهمية أن يكونوا كيانا متفقاً على أن يغدوا رقماً صحيحاً في حلبة الأمم في العالم القديم.. وكانت الزراعة أساس البناء المادي لهم ودعموها بالسدود، ثم لما قوي شأنهم عززوها بالتجارة والصناعة وتتالت ممالك القوة دون فترة ضعف فاصلة تؤثر على تواتر انتقال الخبرة.
ولارتباط اليمني بالزراعة كان ارتباطه بالمطر ومن ثم اتجاهه نحو السماء، وهذا سر غريزته الإيمانية التي جعلته في كل الحقب متوجهاً نحو آلهة سماوية، سواء الشمس أو القمر. وذلك قبل أن يهتدوا إلى عبادة الله الواحد الأحد سبحانه لا شريك له، والذي أسلم له اليمنيون وعبدوه على دين موسى وعيسى ثم خاتم النبيين محمد، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم.
ولطبيعة الإنسان اليمني الدائبة، ولحدود اليمن الطبيعية (البحر والصحراء) نشأ انتعاش فكري واقتصادي وحالة استقرار سياسي وكذا انعدمت حالات العدوان المؤثّر من وإلى اليمن. ومن ثم تركز التطور على العمران والهندسة ومختلف مناحي الرخاء؛ إذ كان يسميه اليونان بلد القصور. ثم عرف بعد ذلك بـ "بلاد العربية السعيدة" أو اليمن السعيد، والسعادة تعني أعلى درجات التوافق والتنوع الذي أدى إلى اشتداد القوة وتواتر الرخاء.. قال تعالى:" لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" (1).
بلغ الاستقرار أَوَجَهُ في العهد السبئي دون مزعج خارجي عمل على تفشيله سوى ما جنته أنفس القوم، فبدل الله جنتيهم "جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ"(2).
والحديث عن اليمنيين حديث عن سكان جنوب الجزيرة بعيداً عمن هاجروا وبعيداً عن ضرورة الأرومة القحطانية التي تمثل الأصل الجامع لسواد السكان.. وهو حديث عن حضارتهم كحاصل تفاعل الإنسان مع الأرض. أولئك الذين ملأت مسروقات آثارهم كل متاحف العالم.. وهذبتهم بعض الروادع أيام الأنبياء..
بعد مرحلة الطوفان كون الأشخاص الذين نجوا في سفينة نوح عليه السلام سكان الأرض الموجودين حالياً، منهم من هو من سلالة النبي نوح، كأولاد سام وحام، ومنهم من ينحدر من ذرية من نجا معه. ومعروف أن المصريين– على سبيل المثال- هم من أولاد حام بن نوح، تماماً كما أن اليمنيين يعتبرون من ذرية سام بن نوح جد سبأ الذي هو أبو اليمنيين قاطبة، وتكاد معظم القبائل والمناطق اليمنية التي احتفظت بأسمائها إلى الآن هي أسماء أبناء سبأ كحمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وحضرموت بن سبأ(3)..
تكون من ذرية سبأ النسيج الأول للشعب اليمني في العصور الأولى والذين بنوا حضارات متعاقبة، منها حضارة قوم عاد وثمود وغير ذلك.. فتم مع مرور التاريخ ما يشبه التصفيات، بسبب العقوبات الإلهية حتى أيام هود عليه السلام. التي يقال إن أرومة الشعب اليمني الحالي تنحدر من سلالة النبي هود الذي لم يؤيده الله بمعجزات قط. وكما أسلفنا؛ فإن الحضارة اليمنية القديمة التي امتدت قروناً من الزمان أيام معين وسبأ وحضرموت وقتبان لم تتقوض بعوامل خارجية، بل بعوامل داخلية، يتمثل أغلبها في كفران النعمة، ما أدى إلى سيل العرم، الذي أتى على كثير من حواضر الحضارة اليمنية القديمة وأدى إلى هجرة كثير من اليمنيين.
لكن اليمن ظل قوياً ومزدهراً طيلة الحقبة الحميرية وبلغ أوج مجده أيام أسعد الكامل؛ الذي جمع اليمنيين من جديد في وحدة سياسية واحدة. وساعدت عوامل عدة على بقاء اليمن قوياً وموحداً، لعل من أهمها: أصل اليمنيين الواحد وتشابه وتكامل رقعتهم الجغرافية، بالإضافة إلى عامل مهم جداً في نظري هو أن اليمنيين في عهد التبابعة الحميرين اعتمدوا آليات إدارية واقتصادية واجتماعية غاية في التماسك والفاعلية، بسبب كونها قامت على دراسة عميقة ودقيقة للواقع اليمني وللإنسان اليمني.. الأمر الذي جعل من دولة التبابعة مضرباً للمثل في القوة والازدهار.. يقول الله عز وجل: "أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ".(4) ولذا فإن الذي يعود إلى أشعار العرب قبل بعثة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، يكتشف إلى أي حد كانت قوة التبابعة هي المادة الملهمة للخيال الأدبي حد تصوير التبابعة بقوة خرافية.
حقبة الصراع اليهودي المسيحي.. بداية الضعف